إن العراق ومنذ زمن ليس بالقصير عاش المشكلات وكان الحصول على أية مادة من بقالة صغيرة لا يتم إلا عبر الوساطات والسرا الطويل، والمشاكل التي كانت تحدث داخل هذا الطابور متنوعة وكثيرة وكان إن ظفر أحدهم بطبقة بيض وبعد شق الأنفس وربما عند خروجه من الطابور كان يتعثر وتسقط منه تلك الطبقة ليضيع جهده دون فائدة وكذلك كان شأن اللحم الذي كان يحلو للبعض تسميته (المجفن) لأن لشات كاملة لغنم مذبوح وملفوف بقماش كان يتم تسويقها عبر المنافذ الرسمية وكان لبقالات معينة وكالات لبيعه بعد التقطيع وكان المواطن يخرج من تلك البقالة وهو فرحا كونه قد حصل على شيء مهم. لأن كل شيء حينها كان يتم وفق بطاقات معينة حتى الأسواق المركزية فقد تم تنظيم دفاتر خاصة للموظفين يحصلون شهريا على الحصة المقررة حتى لو لم يكونوا بحاجة لها لأنهم كانوا يبيعونها عند باب الأسواق ليأتي من لا دفتر لديه وليس موظفا ليشتريها بسعر جديد ...
ولهذه الدفاتر وحدها نحتاج لكتابة الكثير من الصفحات منها الأمور الظريفة ومنها ما كان مدار سخرية لدى الموظفين؛ فمرة كان أحد الموظفين قد قام بحلاقة لحيته وشواربه وغيّر من شكل شعره بينما الصورة في الدفتر كانت تشير لوجود كل هذه في شكله القديم، وكان كلما أراد أستخدام دفتره يحتاج لموظفين من زملائه كي يشهدوا له أنه هو صاحب الصورة والدفتر. وموظف زميل آخر كانت زوجته وعن طريق الخطأ قد مزقت دفتره ورمته في سلة الزبالة ولكن ولحسن حظه اكتشفوا سريعا المسألة ونبشوا في الزبالة وأخرجو الدفتر وأعادو لصق صفحاته وكانت له أيضا حكاية أخرى مع الموظفين في الأسواق المركزية ليبرر لهم وضع دفتره وذلك كل شهر لأنه كان يزور الموظف تلك الأسواق مرة كل شهر... وغيرها الكثير من المواقف.
فالعراقي كان يحصل على كل شيء (بشلعان الكَلب) على قول المثل العراقي وفوقها ابتلي بالحروب منها الداخلية وما حدث في الشمال لسنوات طويلة ومنها ما حصل مع دول الجوار التي استنزفت من دماء أبنائه الكم الهائل حتى أن جدرانا معينة وفي مناطق بارزة من المدن كانت تخصص لوضع لافتات النعي وتعلن عن أماكن الفواتح لما كان يطلق عليهم (شهداء)، وفي كنائسنا كان المتعارف عليه عند الاعلان عن تعزية أحدهم بالقول (شهيد الوطن) لأن حتى مفهوم الشهادة أصبحنا مختلفين عليه، فكان المار بتلك الجدران يصاب بالكآبة لما يشاهده ولكثرة اللافتات المعلقة عليه وخصوصا عندما كان يتم ذكر عمر المتوفي لأن جلّهم كانوا بأعمار الشباب الذين خسرتهم عوائلهم وبلدهم نتيجة بعض الحروب غير المدروسة وربما لم تكن لسبب يعود بالفائدة للوطن، فمرة كان المسؤول عن أحدى الحروب يتكلم ووجه كلامه للطرف الذي كان يحاربه قائلا عن الحرب المستعرة التي كانت بين بلده وتلك الدولة بالحرف الواحد (الحرب التي كانت فتنة...)، إذا ما فائدة التضحيات لآلاف الأشخاص وعوق أضعافهم من المساهمة في مثل تلك الحروب؟...
كما أن أيام ما عرفت بحرب الكويت أو في العراق تم تسميتها أم المعارك وكان الوقت شتاءا ويبدو أن الحرب في الكويت حينها أشتعلت خلالها آبار النفط ومن كثرة الرماد المتصاعد ولكون وقتها كانت أمطار وعواصف وهواء شديد فقد جرف تلك السحب الرمادية نحو العراق ووصلت بغداد وكانت تنزل مع الأمطار حتى أن جدران البيوت أكتست باللون الرمادي وبقيت إلى يومنا هذا تشهد لتلك المأساة، ناهيك عن حال الجنود العائدين من تلك المأساة والذين قطعوا الكثير من مسافات الطريق مشيا على الأقدام مع قليل من الملابس رغم برودة الجو أضف إلى ذلك الفوضى التي عمت مدن الجنوب والتي كان البعض يطلق عليها ثورة والبعض الآخر يسميها غوغائيين وكان الضحية هو المواطن حيث أعطى من التضحيات ما لم يكن تصوره أبدا.
ولكن مشاكل العراق مستمرة وبأشكال وأنواع مختلفة، فهذه جريدة الديلي ميل البريطانية وتحت عنوان لها كتبت بأن البرلمان العراقي أفسد مؤسسة بالتاريخ، حيث تقول بأن الساسة العراقيون يحصلون على ألف دولار للدقيقة الواحدة!!! دون شك أنه رقم مبالغ فيه كثيرا، لكننا سنورد ما قالته الصحيفة كي يطلع عليها قراءنا الأعزاء وتتبلور لديهم صورة ما يجري ضمن محيط الساسة في العراق، وما أكثرهم اليوم!!!، حيث تقول الجريدة أن السياسيون العراقيون يكلفون البلد ألف دولار كل دقيقة وسنكتب أدناه رؤوس اقلام لمقال ظهر في موقع صحيفة الديلي ميل البريطانية حول رواتب وامتيازات وفضائح السياسيين العراقيين
ليطلع القراء وخصوصا الذي يبحث عن لقمة الخبز وقطرة ماء الشرب ودقائق من الكهرباء ويعاني القتل والدمار جراء ما يخرج من نتاج السياسيين اليوم في بلدنا الجريح. حيث أوردت ما يلي:
90 ألف دولار كمخصصات
22 ألف وخمسمائة دولار الرواتب
ستمائة دولا للتنقل داخل العراق في اليوم الواحد
الإقامة في فنادق الدرجة الأولى
نفس الراتب لمدى الحياة بعد أن يترك البرلمان
جواز سفر دبلوماسي بكافة إمتيازاته ولمدة 8 سنوات بعد تركه لوظيفته
وغيرها كثير ، والتقرير الذي نقلته الصحيفة كان لمراسلها في بغداد تحدث فيه عن الوضع السياسي العراقي وواضعي سياسته حيث كتبت بان الساسة العراقيين يحصلون على ألف دولار للدقيقة الواحدة دون أن يضعوا قانونا واحدا يهم البلد وهم يسكنون مجانا في أرقى فنادق بغداد .
ويحصل السياسيون في العراق على أكثر من ألف دولار للعمل لمدة عشرون دقيقة فقط في هذا العام، فقد حصلوا على رسوما بقدر 90.000 دولار وراتب شهري قدره 22.500 وسكنوا أرقى فنادق بغداد مقابل لا شيء يذكر من جانبهم. وظهرت الامتيازات الخاصة بهم فيما يخص الفخامة والرواتب، عندما استعد ال325 نائب لعقد الجلسة البرلمانية الثانية منذ انتخابات مارس عام 2011.
وتستطرد الصحيفة بالقول: هناك استياء زائد في الأوساط العراقية العادية لأن النائب العراقي يحصل على 22.500 دولار في الشهر وإكراميات في أرقى فنادق بغداد، في حين يكافح الكثيرون من أجل تغطية نفقاتهم. حيث أن الموظف الحكومي من المستوى المتوسط يحصل على حوالي 600 دولار في الشهر، والناس العاديين تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء. أما الراتب الشهري الأساسي للسياسيين هو 10.000 دولار ما يعني أن السياسيين في العراق يحصلون على 4500 دولار أكثر من عضو في الكونغرس الأمريكي، بالإضافة إلى ذلك يحصل النائب على إعانة من 12.500 دولار شهريا لترتيبات السكن والأمن.
ويمكن للسياسي أن يقضي ليالي مجانا في أرقى الفنادق (كفندق الرشيد مثلا) في بيئة أمنة من المنطقة الخضراء، بغض النظر عم ما إذا كان البرلمان في الدورة البرلمانية أو لا، وهذا يساوي 600 دولار في اليوم عند السفر داخل أو خارج العراق. بعد الاستقالة يحصلون على 80 بالمئة من رواتبهم الشهرية مدى الحياة ويسمح لهم بالاحتفاظ بجوازاتهم وجوازات عائلاتهم الدبلوماسية. وتقول الصحيفة بأن الاجتماع الثاني للبرلمان لم يأتي بأي نجاح يذكر في حين أنه دام 20 دقيقة. وأدناه الرابط الأليكتروني للمقال على موقع الصحيفة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]هذا في جانب واحد وحسب اناس يعتبرون محايدين بين الكتل السياسية في العراق لكن أمورا أخرى لو تعمقنا بالكتابة عنها فسنرى في تفاصيلها العجب فقد حاولت قوة الاحتلال في أبريل/ نيسان 2003 ، لإنشاء نخبة وحدة عمليات سرية فتاكة، والمجهزة بشكل كامل بالمعدات الأمريكية، التي من شأنها أن تعمل لسنوات تحت قيادة الولايات المتحدة ولا تكون مسؤولة امام الوزارات العراقية والعملية السياسية العادية. ووفقا لسجلات الكونغرس ، توسعت القوات العراقية الخاصة الى تسع كتائب، والتي تمتد إلى أربعة اقاليم "قواعد فدائية" في انحاء العراق. حيث اصبحت في ديسمبر 2009 جاهزة بالكامل ، كل تعنى بـ"الخلية المخابراتية" الخاصة بها ، والتي تعمل بشكل مستقل من شبكات المخابرات العراقية الأخرى. تحتوي القوات الخاصة على عناصر قوية لا تقل عن 4,564 عنصر ، مما يجعلها تقريبا بحجم القوات الخاصة الامريكية في العراق. وتشير سجلات الكونغرس أن هناك خططا لمضاعفة القوات الخاصة في "السنوات القادمة "!!!
وعُلم أن في يوم الثلاثاء 26 أكتوبر/ تشرين الاول الماضي (2012) قام مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان نافي بيلاي بِحثّ العراق والولايات المتحدة للتحقيق في مزاعم التعذيب والقتل غير المشروع اللذين كانا جزءا من الصراع في العراق الذي كشف عنه في وثائق ويكيليكس. والقاريء يستغرب جدا من هذا البيان. فهل يعتقد المفوض السامي انه من المناسب للمجرمين التحقيق في الجرائم الخاصة بهم؟ بما ان إدارة أوباما لم تظهر أي رغبة في كشف أي من الجرائم التي ارتكبها المسؤولون الأميركيون في العراق ، اذا، من المطلوب ان يتم إجراء تحقيق دولي تحت رعاية المندوب السامي لحقوق الانسان في الامم المتحدة. وينبغي إشراك خبراء مختصين مختلفين : فهنالك الخبير الخاص المعني بحالات الإعدام بدون امر قضائي أو الإعدام التعسفي ، والخبير الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب ، والخبير الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أو العقاب. وينبغي أن يعين الخبير الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في العراق على وجه السرعة.
وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة لم تأذن بالغزو، إلا أنها قامت بتشريعه في قرار لاحق لمجلس الأمن 1483 (22 مايو/ حزيران 2003) ، ضد إرادة الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي، التي لم تقبل مشروعية أو شرعية قرار الامم المتحدة هذا. وقد قام موقع الويكيليكس بتسليط الضوء على جرائم الحرب في العراق تحت ظل الاحتلال. و عليه فأن الولايات المتحدة والامم المتحدة ملزمة بواجب أخلاقي وقانوني للرد. ان لدى المجتمع الدولي الحق في معرفة الحقيقة الكاملة وغير المتحيزة حول مدى ومسؤوليات التورط الأمريكي في مجال القتل في العراق وتطالب بالعدالة للشعب العراقي.
ووفقا لتقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، و بناء على طلب توضيح من قبل بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق، اكدت القوات متعددة الجنسيات أن "حكومة الولايات المتحدة لازالت تعتبر الصراع في العراق على انه نزاع دولي مسلح، الذي تتوافق اجراءاته حسب اتفاقية جنيف الرابعة" و لا تتوافق اجراءاته مع الحقوق المدنية للعراقيين التي تنص على وجوب حكم العراق تبعا للمعاهدة الدولية المبنية حول الحقوق المدنية و السياسية و بعض من حقوق الانسان، لان من شأن هذه المعاهدة ان تعزز حقوق العراقيين المحتجزين من قبل القوات الامريكية والقوات العراقية بتسريع محاكمات عادلة. ان الاعتراف بأن الولايات المتحدة الامريكية لازالت مضطلعة بـ "نزاع دولي مسلح" حتى سنة 2007 اثار ايضا بعض التساؤلات الجدية حول شرعية الدستور و التغييرات السياسية في العراق التي ادارتها الولايات المتحدة و عملاؤها خلال الحرب.
وعند نشر فضيحة التعذيب الحاصل في سجن ابو غريب الذي اثار ضجة وجيزة في العالم، قامت اللجنة الدولية و منظمة حقوق الانسان اولا و منظمة العفو الدولية و هيومان رايتس ووتش و غيرهم من منظمات حقوق الانسان بتوثيق العديد من الجرائم المنهجية على نطاق اوسع التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد معتقلين بغير امر قضائي في العراق. و في العديد من هذه الوثائق تم التأكيد على ان مسؤولية هذه الجرائم تمتد الى اعلى المستويات داخل الحكومة الامريكية و قواتها المسلحة.
وشملت أشكال التعذيب الموثقة في هذه التقارير تهديدات بالقتل ، وعمليات اعدام صورية ، وعمليات الاغراق الوهمية، و اوضاع غير مريحة، بما في ذلك أشكال مبرحة وأحيانا قاتلة من انخفاض حرارة الجسم، والتعليق، والحرمان من النوم، والجوع والعطش، وأشكالا أخرى كثيرة، وأكثر من أشكال التعذيب النفسي مثل الإذلال الجنسي والاحتجاز وتعذيب أفراد الأسرة. وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الاحمر ان انتهاكات القانون الدولي الإنساني الذي سجلتة اللجنة كانت منتظمة وعلى نطاق واسع. وقال ضباط عسكريون للجنة الدولية للصليب الاحمر ان "بين 70 ٪ و 90 ٪ من الأشخاص المحرومين من حريتهم في العراق أُعتقِلوا عن طريق الخطأ".
بعد معرفة جميع هذه الحقائق، تم معاقبة اعضاء الجيش الاقل رتبة باقل عقاب. وقد كشف تقرير "مسؤلية المشرفين" ان الفشل في ادانة ضباط ذوي رتبة اعلى في الجيش هو النتيجة المباشرة لـ "الدور الرئيسي" الذي لعبه بعض الضباط "لتقويض فرص المسائلة الكاملة"، من خلال تأخير و تقويض التحقيقات الجارية حول حالات الوفاة للسجناء في عهدتهم، وقد شُرعت اتفاقية جنيف من اجل جرائم من هذا النوع تحديدا، ولهذا فأن اتفاقية جنيف بالغة الاهمية في يومنا هذا. ان مسؤولية هذه الحرائم لا تقع على عاتق الجيش الامريكي وحده، حيث ان بعض التقارير المنشورة تتضمن وثائق تدين الحكام المدنيين للحكومة الامريكية لموافقتهم على انتهاك اتفاقية جنيف، و لاتفاقية 1994 لمناهضة التعذيب و للقانون الامريكي لجرائم الحرب لسنة 1996. لأذلك لإن الولايات المتحدة الامريكية مسؤولة عن هذه المأساة الرهيبة التي الحقتها بالاف المواطنين العراقيين و يجب مساءلتها عن دفع تعويضات ملائمة لضحايا هذه السياسة الاجرامية. ويجب أن يتم أنصاف الشعب في العراق عن كل ما جرى وما يجري.
وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في القادم من الحلقات وللذكريات بقية.