وعد الميلاد

ميلاد 2007



سألوا الحكيم: ما معنى ما كُتِبَ: "أنا هو الرب إلهكَ الذي أخرجكَ من أرضَ مصرَ". لماذا لم يقل: "انا هو الرب إلهكَ، خالقُ السماء والأرض؟".

فأجاب: "إذا ما قال: "السماء والأرض"، فلربما سيقول الإنسان:" السماء أعظمٌ مما أستطيع أن أكون فيها أو أن أصلها". لذا قال الربُ: "أنا هوالرب إلهك الذي إصطدتكَ من الوحل، تعال الآن وأضغِ إليَّ".

وحدها المسيحية تُعلن رغبة الله في أن يكون إنسان، وصار إنسان وحلَّ بيننا. وحدها المسيحية تُخبّر الإنسانية بأن الله عازم ليجعل سُكناه ما بين الناس لا زائراً ومُشجعاً، بل معهم في كل خبراتهم، ما خلا الخطيئة، فيسمو بنا لنكون: أبناء الله الذين وُلدوا لا من مشيئة بشر، بل بالإيمان بيسوع المسيح. وهذا لن يكون إلا إذا قررنا أن نقبل يسوع، ونقبله لكل حياتنا.

بالطبع ترانا نحن البشر ننهمك في الآحتفال بعيد الميلاد من تحضيرات وصرفيات باهضة، ولكن الحقيقة هي: أن ميلاد يسوع هو أبسط بكثير مما نُنفقه نحن. وإذا ما كُنّا في حوار صادق مع أنفسنا سنجد أننا نلجأ إلى هذا الإنهماك متعمدين لأننا لا نُريد ولا نقوى على مُصارحة أنفسنا: فميلاد ربنا يسوع لم يكن كي ينشغل الإنسان بعيداً عن المولود، بل ليترك كل إنشغالاته ويأتي إلى حيث المولود، فيقبل الوعد الذي صار لنا بالميلاد.

لنعد إلى القصة: فلوقا يُخبرنا عن الولادة بأربع أيات ليس إلا: "وصعد يوسف من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى بيت لحم مدينة داود، لأنه كان من بيت عشيرته، ليكتتب مع مريم خطيبته، وكانت حُبلى. بينما هما في بيت لحم، جاء وقتها لتلد، فولدت آبنها البكر وقمّطته وأضجعته في مذود، لأنه كان لا محلَّ لهما في الفندق". (لو 2: 4- 7).

فيما يُزودّنا لوقا الإنجيلي بتفاصيل ما حدث للرعاة فيروي لنا حالهم، الكشف الذي صار لهم، إستجابهم لكشف الملائكة، زيارتهم للمولود، عودتهم وهم يُخبرون ما رؤاوا وشاهدوا (لو 2: 8- 20).

فهل نفهم الرسالة: ميلاد ربنا يسوع ليس من أجله، فنُهيئ له إحتفاليات وصلوات وأناشيد وتراتيل. الميلاد هو لنا، من أجلنا. وإذا ما أعلن لوقا: أنهم لم يجدوا محلاً في الفندق، فهذا يعني أن الرب مازال يبحث عن قلب إنسان ليُولدَ فيه، ولم يُحالفه الحظ بعد. كيف لا ونحن نقضي أوقاتنا كلّها منشغلين بعيدين عن حقيقة الميلاد. لو وصلنا بطريقة أو بأخرى أننا بإحتفالاتنا حضّرنا أفخم جنازة لوعد الميلاد. الرب يقول: جُئتُ لأجلك يا إنسان، ونحن نقوله: "إبقَ في مكانك حيثُ ولدتَ، سنجعل لك أجمل مغارة، ونضع بجنانبها أجمل شجرة، وسنرتل لك أجمل التراتيل، وسنكتب في ميلادك أجمل الأشعار، وسندعو بهذا المناسبة بعض الأصدقاء لغداء وعشاء، ولا يهمك يا رب موضوع الصرفيات، الغالي يرخص لك. ترون كيف دفنّا حقيقة الميلاد.

في حين أن الرب آتٍ ليُخبرنا: أن ماضينا أضحى ماضياً مغفوراً برحمة الله لنا، فهوذا أٌبشرّكم بفرح عظيم، وُلد لكم اليوم مُخلّص. مُخلّص من ماذا؟ من مخاوفنا؟ من شكوكنا؟ من خطايانا؟ الميلاد جاء بسيطاً كي لا ننشغل بما يجب أن يُعد لقدوم الملك بيننا. فالرب يعرف أن الإنسان يعي نفسه خاطئاً ولكي يقبل قدوم الرب بينه لربما يُفكر الإنسان أنه غير مؤهل وبعيد جداً من قبول الله، وعليه بكثير من التحضيرات المُستحيلة ... كل هذا يُفكر به إلهنا، لذا قرر أن يأتي ببساطة ليقول: ما عليك يا إنسان إلا أن تكون متيقظاً، مُستعداً لقبول البشارة، الإنطلاق مُهتدياً لفرح جداً مؤمناً أن ماضينا، بكل ما يحمله من تقصيرات، صار لك سُلماً يُوصلك بالله.

يروي لنا آباؤونا الروحيين عن حلم رجل أنه واقف أمام جدار عالٍ لأبواب السماء. أُعطي له طباشير ليرسم خطاً لكل خطيئة اقترفها ويكتب بضعَ كلمات ليُفّسِر سبب خطاياه. فشرع بالرسم.

ولكنه لاحظ أن أسلوب رسم الخطوط سيجعل منها سُلّماً إلى السماء يوٌصله إلى الرب الرحوم تسمح للخاطئ التائب أن يتمتع بالسماء. وجال نظره فإذا بسلالم كثيرة رُصت على جدران بوابة السماء مما جعله يتسلى ويتعزى.

وفرح لمّا رأى أحد الكهنة نازلاً، فسأله: يا أبونا كيف هي هناك؟

فردَّ الكاهن: أين يا بُني؟

قال في الجنة. سأل الرجل.

"لا أعرف، قال الأب، أنا نازلٌ لأجلب المزيد من الطباشير" أجاب الكاهن.



قصة فيها من الطرافة ولكنها تُعلّمنا أيضاً، أن خطايانا لم ولن تكون يوماً عائقاً لعلاقة صادقة مع الله، لأن الله طهّرها بنعمته.

فالربُ قادرٌ أن يشعَ فينا نعمته إذا ما أبدينا له هذا الإستعداد. الرب قادرٌ على أن يُقوينا لنمد يد السلام والمُصالحة لكل غضب، وحسد، وحقد، وضغينة فيُعيد إلى قلوبنا جمالها الأولي، إن آمنا به، فتخلينا عن غضبنا من مَن يُضاددونا ونُعلن: وُلد لنا مُخلص.

وعد الميلاد لنا اليوم هو: يا إنسان، أنت أجمل إذا ما رفعتَ عنك التكبر، والضغينة والقلق والهموم. قلبك سيكون أوسع إذا ما رفعت عنه مطاليبك بالتعويض عن الإهانات التي تحمّلتها من جراء علاقة مع فلان أو فلان. الرب لم يُطالبك وعفى عنك، فلماذا أنت مُصرٌ على أن تُطالب غيرك بأقل منها.

وعد الميلاد سيكتمل إذا ما مددنا يد المُصالحة والسلام لنٌصافح الآخرين فرحين بالنور الذي أضاء ظُلمة حياتنا، فنُخبّر العالم أجمع بما صار لنا.

الأب بشار متي وردة

ربي يعطيج الف عااافيه على هاااى موضوع اخ عبدالله

تحياتي

جمو توما

شكرا للتعليق ونطمح بالمزيد