موضوع: ذكريات من الماضي العراقي القريب (4) الأحد 17 يونيو 2012, 1:54 am
ذكريات من الماضي العراقي القريب (4)
كنا في العراق نصرخ ونستغيث وبصوت عالٍ غالبا بوسائل عدة كما فعلتها في مواضيعي المتسلسلة والتي أخذت عنونا هو: (رسائل من تحت الأنقاض) والتي يجد متابع كتاباتي هذه في الرابط التالي: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] كما كنت أطالب أصدقائي من خلالها بالصراخ وبأعالي الصوت حتى نُسمع من به صمم كون شعبنا العراقي يموت يوميا حينها قلت بالعشرات لكنني كنت مخطئا لأن الرقم كان أكبر من ذلك، فالوطن عاش أزمة حقيقية لأن العلماء أصبحوا هدفا للأغبياء والأميين ويتم تصفيتهم بدماء باردة، والصادقين يتم تكذيبهم حتى يكرههم الناس وأصبح كل شيء مباح ومتاح لأيدي الخارجين عن القانون، فلم تسلم حتى بسطات العمال ومساطرهم التي تشهد الألم والانتظار حتى يتم تأجير أحدهم من قبل رب عمل وغاليا ما يكون تأجيره لإداء اعمال شاقة ومرهقة وطويلة يتحمل خلالها العامل حر الصيف اللاهب وبرد الشتاء القارص، فهؤلاء المساكين والباحثين عن لقمة العيش بهذه الوسيلة الشاقة أصبحوا ولمرات كثيرة ولحد اليوم أهدافا للأشرار فلم يسلم مسطر بغداد الجديدة ولا الباب الشرقي ولا البياع أو حي العامل من هذه الهجمات وكأنهم بعملهم هذا كانوا يخدمون المحتل ويرسخون من أحتلاله فحصدت السيارات المفخخة الكثير من أجسادهم البريئة والمثقلة بالتعب والأجساد التي كان العرق يتصبب منها كل يوم ألتارا كثيرة تم قتلها بدماء باردة في ساحات وشوارع عاصمة العراق، مدينة السلام التي كانت يوما عاصمة للثقافة والدنيا وأراد من أسسها وبناها أن تكون مدينة للسلام!!! هي قد افتقدت السلام وتصرخ ولا من يجيب لإستغاثاتها. وكنت أنا بقلمي من بين الذين أرادوا أيصال صوت المستغيثين وتدوين ما يصل لي من أحداث كي أجعل من العالم يطلع عليها ويتحرك الشرفاء وينقذوا وطني ويضعوا حدا لبكاء وعويل النساء والرجال والأطفال والذي انتشر في كل زقاق وشارع وكنت أريد وما زلت أن يسمع كلامي هذا ويقرأه كل من يشارك بمؤتمر أو ندوة أو موضوع حواري كي لا نسمح للفرحة أن تختنق في صدور الأطفال ولا يتم اغتيال أحلامهم البريئة ويعود لهم الحق بدخول رياض للأطفال عامرة بكل ما هو مُسلٍ وجديد ويغذي عقولهم بالمعرفة والعلوم، وبلد شهد أول قانون يُشرع ويوضع في مسلة شاخصة للعيان (مسلة حمورابي) يعيش لفترة ليست قصيرة من دون غطاء قانوني يحمي أهله ويحفظ لهم حقوقهم وينتصر للمظلومين ويقتص من الظالمين، وضع كهذا جعل من أهل العراق ضحايا للعواصف القوية التي شردت الملايين منهم في دول الجوار ولو توفر لنا أحصاء دقيق عن مواطن اللجوء في العالم فربما لا نجد بلدا في الدنيا لم يشهد قدوم العراقيين كي يلجؤا فيه ويبحثوا عن فسحة آمنة وموضعا يقيهم الشر والجوع والتشرد، فبلد كأفغانستان الذي يعرف الجميع أحواله شهد يوما موجة من اللاجئين العراقيين وكان بعض منهم من شعبنا المسيحي!!! فللقاريء الحرية بالتفكير عن أسماء أخرى ربما يجدها بعيدة عن تفكيره وتفكير أي إنسان يبحث عن موطن آمن كي يلجأ إليه. لقد أصبح الكثير من أبناء شعبنا في العراق قطعا من اللحم المتبعثر في الطرقات أو الملتصق بالجدران أو قذفته التفجيرات فوق أسطح المباني القريبة وما شاهدته من مثل هذه الحالات كان بأبشع صورة جليا للعيان في كنيسة سيدة النجاة بعد ليلة ليلاء عام 2010 أصبحت فيها الكنيسة ساحة معركة حقيقية وكان اللحم البشري ملتصقا حتى بسقفها العالي!!! وكذلك كان الحال في أول تفجير للكنائس عام 2004 وخصوصا في كنيسة الرسولين في الدورة – ميكانيك حيث كانت الأشلاء الممزقة قد جعل منها الانفجار تستقر فوق بناية الدير الكهنوتي المجاورة لباحة الكنيسة، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا يمكن حصر جميعها مهما حاولت أو حاول غيري من الكتاب الكتابة عنه وأنني أأمل أن نلجأ جميعا لتسجيل هذه الحقائق رغم كونها مؤلمة ومحزنة لكن كي يتعض منها الجيل القادم بل كل الأجيال القادمة كي لا يسيروا بذات النهج الخاطيء يوما ويقون أنفسهم وبلدهم من مثل هذه الشرور العظيمة. ولم يكن هذا الدمار يخص شريحة دون أخرى فلم تسلم منه حتى المنطقة التي يسمونها بالخضراء ولا مبنى البرلمان المحاط بجدران أسمنتية عالية وقوية وضن النواب الذين انتخبهم الشعب أنهم يعيشون بأمان داخلها لكنهم كانوا مخطئين رغم كل الإجراءات الأمنية والتفتيش الأليكتروني الذي كان يخضع كل الداخلين إليها لكن العنف وصل إلى حيث كانوا يشعرون فيه بالأمان أو بالقرب منه وليس لمرة واحدة بل لمرات عدة منها داخل البرلمان ومنها في محيطه والمناطق القريبة منه الأمر الذي جعلنا نفكر جديا حول ذلك فإن كانت المنطقة المحصنة جدا هذا حالها فكيف يكون حالنا نحن الذين لا نملك حتى واقيا بسيطا يحمينا من الشظايا والمتفجرات والمفخخات وأعمال العنف والإرهاب!!! وحتى يزداد الأمر سوءا ويضع المُشرع حدا لتطلعات العراقيين وتحركاتهم من أجل كسب قوت يومهم عشنا أياما بل سنوات طويلة متضررين من مسألة تحرك السيارت وفق نظام الفردي والزوجي العجيب والذي زاد من الطين بِلة!!! فرغم كل شيء مما ذكرنا بعض منه في كتاباتنا فإن التجوال في الشوارع كان مقيدا بحضر للتجوال ليلا وكذلك نهارا بالسير وفق نظام الفردي والزوجي هذا إن عرف القاريء العزيز أن وسائل النقل العامة في العراق شبه معدومة أو بطيئة او غير معروفة التواقيت لمجيئها ومغادرتها فكيف لمن كان مرتبطا بعمله الوظيفي أو لديه ارتباطات عمل تستوجب حضوره في الوقت والزمان المطلوبين لذلك، وإن كانت الحجة بقلة وقود السيارت التي هي الأخرى شهد طابور الحصول على وقودها أرقاما خيالية فقد تجاوز الكيلومترات، فمحطة وقود الكرادة – ساحة الحرية كان طابور الانتظار يعبر جسر الطابقين ليصل الدورة قرب بوابة المصافي ويستمر داخل المنطقة حتى يصل إلى طريق محمد القاسم السريع!!! وإذا أردتَ الحصول على وقود لسيارتك كان يستوجب أن تمكث في الطابور لساعات طوال وربما لا يصلك الدور في ذلك اليوم وتمكث في محلك منتظرا حتى اليوم التالي أو تترك مكانك وتعود من حيث اتيت وتبدأ يوما جديدا ومعاناة أخرى، والمحضوض كان من يدخل المحطة ويملأ خزان وقود سيارته وحينها لابد له أن يكرم عامل المحطة بمبلغ أضافي كأكرامية له، وهذه الأخرى أصبح يتنافس عليها الكثيرين ويدفعون لصاحب المحطة مبالغ كبيرة كي يقف ويمارس عملية أملاء الوقود في الخزانات لأنها تدر عليه مبالغ كبيرة ومهمة والتي ربما سأنتي عليها في الكتابات القادمة. لكن مسألة الفردي والزوجي لسير السيارات كانت بحد ذاتها عقبة كبيرة أمام الناس والتي استثنت منها سيارات الأجرة والحمل وتلك التي تحمل سبعة ركاب فأكثر وهذا الأمر بحد ذاته أرهق جيوب العراقيين كثيرا وفرض أمرا يأتي على مدخولاتهم شاؤا أم ابوا!!!